ترجع بداية هذه المدرسة التي تفسر تخلف دول العالم الثالث ، الى نهاية الستينات الميلادية ..
و قد نشأ ت كردة فعل لفشل و قصور النظريات الاجتماعية و الاقتصادية الأخرى التي حاولت تفسير التخلف ..
و قد نشأت أساسا في أمريكا اللاتينية .. بصفتها أقرب الشعوب معاناة من محاولات النمو الاقتصادي القائم على التكامل الاقتصادي الذي كان يصب في مصلحة الدول الرأسمالية الاستعمارية ..
وقد كان للازمة الاقتصادية الكبرى الذي حدثت في أوائل الثلاثينات ,, تأثيرا مباشرا على الدول اللاتينية .. نظرا لارتباط اقتصادها وبقوة بالدول الاستعمارية آنذاك ..
مما جعل المفكرون الاقتصاديون يعيدون النظر مرة أخرى في توجيه التنمية إلى الخارج .. و العلاقة القائمة على التبادل بين الدول الإمبريالية و الدول التابعة أو المتخلفة ..
وقد أسهمت اللجنة الاقتصادية لأمريكا الجنوبية ECLA التابعة للأمم المتحدة .. في بلورة هذا الإدراك .. من خلال النقد الذي وجهته لنظرية التبادل الدولي ( الذي تقوم على أساس أن كل دولة لها ميزة نسبية .. و من الأفضل لها أن تتخصص فيما تتميز به ) فمثلا السعودية لديها ميزة في انتاج النفط الخام .. فمن الافضل لها لتحقيق اكبر المكاسب ..في تجارتها الدولية ( التبادل الدولي ) أن تتخصص في انتاج النفط .. وتصديره .. و تكتفي باستيراد ماتحتاجه من الدول الاخرى ذات الميزة النسبية في اشياء اخرى ( مثل استيراد السيارات من اليابان وامريكا .. و غيرها ) ..
و من الواضح .. أن هذه النظرية .. التي مازالت تدرس حتى الان في مدارس الاقتصاد تقوم على أساس تكريس التبعية ..!!
لذلك وجهت تلك اللجنة اقتراحاتها .. نحو الاهتمام بالتنمية بالداخل .. وعدم ربط مصير الشعب الى ما يحدث في الدول الرأسمالية ..
نشوء مدرسة التبعية الاقتصادية
غير أن اقتراحات اللجنة .. و منها تقليل الاعتماد على التبادل مع الاقتصاد الأجنبي لم تحقق النجاح المطلوب ..
مما نتج عنها انبثاق مدرسة التبعية الاقتصادية ..
وقد اهتم كتاب هذه المدرسة بايجاد بديل لاسباب تخلف دول العالم الثالث , على اساس ماعانته هذه الدول من مختلف اشكال السيطرة الاجتماعية و الثقافية و السياسية ..
و تدور الفكرة الاساسية في هذه المدرسة .. على أساس أنه لايمكن النظر الى دول العالم الثالث بمعزل عن تطور المجتمعات الرأسمالية الغربية ذاتها ..
و أنه من الضروري النظر الى العالم بصفته نسقا واحدا لا يتجزأ .. خصوصا وان العلاقات بين الدول الرأسمالية الصناعية ـ المسيطرة ـ و الدول النامية ـ الخاضعة ـ تشكلت في اطار السوق ..
تعريف التبعية الاقتصادية..
وهناك تعريفين للتبعية .. بناء على نظرة كل فريق ..
فأحد الفرقاء ينظر اليها على أنها .. علاقة بين اقتصادين، احدهما يتوسع على حساب الاخر .. و يكون تطور الثاني تابعا لتطور الاقتصاد الاول ..
فيتوقف تطور التابع على توسع الاخر ( الاقتصاد المسيطر ) ..
بينما يرى فريق اخر .. أن العلاقة بين الاقتصادين المتخلف و الرأسمالي .. لاترجع فقط الى علاقات الاستغلال و القهر الخارجية ..بل انها تنبع من توافق مصالح الطبقات الحاكمة و بين حلفائها الغربيين ..
التبعية والعلاقات العربية ..
ان التبعية .. لاشك قد عمقت التجزئة بين الدول العربية ..
فالدول المسيطرة قديما .. تفرض سياساتها ,, وثقافاتها ,,
و الثقافات المختلفة نتج عنها .. ذوبان ثقافي غريب .. بحيث يصعب الجمع بين هذه الثقافات ..
ان الاستقلال من ظاهرة التبعية .. تعني في نظر البعض.. رفض المفهوم الغربي الرأسمالي للتقدم ..فالتقدم ليس زيادة الانتاج وليس النمو مع اعادة التوزيع ..
بل هو التحقيق المتزايد لقيم المجتمع و ثقافته الخاصة .. و يلح البعض على اضافة الهدف الحضاري الى الهدف الاقتصادي .. بل ويشترطه لتحقيق الاستقلال بمعناه الشامل ..
على ان الكتاب الذين كتبوا كثيرا حول هذا الموضوع .. ركزوا كثيرا على العوامل الخارجية و الاستعمار .. كرد فعل لنظريات التنمية الغربية التي تقول ان اساس التخلف هو اساس عنصري نابع من شخصية وثقافات دول العالم الثالث .. ولم يركزوا كثيرا على العوامل الداخلية التي أدت الى الذوبان في محيط الدول الاستعمارية .. مما اضعف من أهمية هذه النظرية لتفسير التخلف ..