عدد المساهمات : 25 تاريخ التسجيل : 10/02/2011 العمر : 36
موضوع: الوفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء الخميس أبريل 14, 2011 1:30 pm
الوفاء خُلُـقٌ حميد، قابع في نواة كل إنسان، و هو محرك كل رد فعل. يوجه ابن آدم باتجاه المرجعية، أو النسب، أو الالتزام، بما هو متعلق به. على نحو قد يتخذ الإرادة، في مرات عديدة، لكنه لا شعوري في أغلب الحالات. و الأمثلة على هذا الخُلُـق متعددة، بتعدد أنواع البشر. لكن لو تأملنا في الوفاء كصفة إنسانية، لوجدناها، من أنبل الصفات التي أوجدها الله سبحانه و تعالى، في صندوق الكائنات الحية الأسود. فينجيها من الكوارث و المحن، التي تصيبها أثناء عبورها طريق الحياة المتعرج. و هنا نجد السؤال التالي: إذا كانت الوفاء صفة إنسانية فأين تتجلى صورها؟ إننا نجد البشر متعددون، و متنوعون، و هذا ما يجعل صفة الوفاء تظهر في صور عديدة، و متنوعة بتنوع المجتمعات. فالوفاء في القاموس الأمريكي هو التزام الفرد بعهد ما، تجاه فرد آخر، يقاسمه المشاكل، و الحلول، و الأسرار. و عليه فالأمريكيون يكسبون صفة الوفاء كل شخص في جعبته صون ذلك الالتزام الموثق، على شكل عهد. أي أن ناقضوا العهود في عيون الأمريكيين غير أوفياء. بينما في مجتمعاتنا العربية، الوفي هو ذلك الشخص المحافظ على دينه، و وطنه، و قيمه، و عاداته، و تقاليده و المحب لعائلته، و المخلص لزوجته، و المتقن لعمله. و إذا اختلت إحدى هذه الصفات أو غابت لدى الفرد العربي، لا يمكن اعتباره وفيا على الإطلاق. وعليه فالوفاء في النظرة العربية، هي كلمة جامعة لكل الصفات المحببة لدى الجمع العربي. و هنا نجد السؤال التالي: إذا كان الإنسان الوفي محبوبا من المجتمع فما قيمة الإنسان الغير وفي إذن؟ إن الإنسان الغير وفي في نظر المجتمع، هو إنسان تجرد من صفة الإنسانية، و نزل إلى مرتبة الحيوانية. فنجد الناس الغير أوفياء، ينعتون بصفات بغيضة، جارحة لكرامتهم و كبريائهم. كما يقول المثل الصيني:"إن الكلب لن يتخلى عن صاحبه بسبب الوفاء" و معناه أن الإنسان يظل عبدا إذا ظل غير وفي. و يقول الصينيون كذلك :"من الأفضل لك أن تموت قبل عشر سنين من نهاية عمرك على أن تعيش سنة واحدة غير وفي" أما الرومان فقد كانوا يقولون:"ما أصعب أن تصبح مشهورا إن كنت غير وفي". و وصل الأمر بالرومان إلى تحريض الناس على الأشخاص الغير أوفياء بالقول:"تجنب الغير أوفياء و عاملهم كمجرمين." كما ربط الرومان بين الوضاعة وعدم الوفاء بالقول:"قلة الوفاء تجعل الإنسان حقيرا." و بدورهم الإيطاليون يقولون "الويل لعديمي الوفاء". و يرى الهولنديون أن الرجل يكون قبل كل شيء وفيا بقولهم:"عندما يخرج الوفاء من الباب تدخل النذالة من النافذة". كما يقول الأفارقة في عديمي الوفاء:"الرجل بدون وفاء كالسفينة بدون شراع". و يجادل اليابانيون بأن"انعدام الوفاء يقتل الأحاسيس". أما الأسبان فيقولون:"انعدام الوفاء و الحياء ليس خطيئة لكنه فرع من فروع الفجور." و للايرلنديين أقوال مأثورة في هذا المجال فهم يقولون:"انعدام الوفاء يولد الحزن." و يصل الأمر بالبرتغاليين إلى تجريد عديمي الوفاء من مشاعر الحب بقولهم:"الغير أوفياء لا يحسنون العشق". و هناك مثل من مدغشقر يقول:"انعدام الوفاء لا يسمح لك بأن ترفع رأسك.". و الأمثلة في سياق ذم الإنسان الغير وفي كثيرة، بحيث أن جميع الأعراق، و الشعوب، تجمع على كره، و الاشمئزاز من فاقدي الوفاء. و منه يمكننا الاستنتاج، أن الوفاء صفة جوهرية في الإنسان، الذي يريد أن يبلغ منصبا مشرفا في تسلسل الزعامة الهرمية بين بني جنسه. بالإضافة إلى هذا، فإن في مجتمعنا الجزائري كثيرا ما تجد اسم وفاء يطلق على البنت المحبوبة في العائلة، قصد إعطائها رمزا ساميا، يشير إلى مكانة هذه الفتاة العالية. و بالاعتماد على مكاسبي الخاصة، فإن حاملي اسم وفاء توكل إليهن أمانة عظيمة، تتمثل أساسا في فهم معاني أسمائهن المقدسة، ثم التوجه إلى محاولة تطبيقها على أرض الواقع. و الذي يظهر في أعمالهن الصالحة، و في هذا المسار يستحضرني مثال أعتبره من أجمل ما صادفني في حياتي. فقد كان لي الشرف في مسيرتي العلمية، أني تعرفت على وردة من ورود بلدي الغني بهن. و لحسن حظي أن اسمها كان وفاء . تعرفت عليها في إحدى قاعات المحاضرات، التي كنت أحضرها بانتظام، و كانت فتاة أجمل ما فيها أنها عادية، بسيطة، أخذت من جمال الروح النصيب العظيم. ففي ابتسامتها بريق الذهب الخالص، و في عينيها سواد الليل المتلألئ، بينما لم يحصل لي شرف رأيت شعرها المغطى باللباس الإسلامي. لكني على يقين أنه كالحرير الصافي، وبالنسبة لفكرها أكاد أجزم أنه مستخلص من فكر كليوباترا ملكة مصر القديمة. فهي صريحة القول في نظري على الأقل، و حديثها كقطرات العسل المتدفق من شهب النحل الأصيل، بينما نصائحها لي كانت كالحقن تألم لتداوي. باختصار شديد هذه هي الفتاة التي جعلتني أعيد التفكير في بنات بلادي من جديد، بعدما كنت أتطلع ناحية أوربا لأحظى برفيقة حياتي. أنا لا أقول أن وفاء هي اختياري، لأني لا أعلم الغيب من الأمور. لكنها أيقضت وجداني، بعدما كان قد يئس من نبل العربيات. فألف شكر لوفاء الوفية بحق، و التي أبعث لها بأحلى الكلمات، التي أرجوا أن تصل مسامعها كألحان، تنبعث من أوتار الكمان.
[list][*]
doudou Admin
عدد المساهمات : 36 تاريخ التسجيل : 09/06/2009 العمر : 34 الموقع : banzita.alafdal.net
موضوع: رد: الوفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء الخميس أبريل 14, 2011 5:25 pm