مقدمة:
تشتمل التربية على تعليم وتعلم مهارات معينة، والتي تكون –أحيانًا- مهارات غير مادية (أو ملموسة)، ولكنها جوهرية، مثل: القدرة على نقل المعرفة، والقدرة الصحيحة على الحكم على الأمور، والحكمة الجيدة في المواقف المختلفة، ومن السمات الواضحة للتربية هو المقدرة على نقل الثقافة من جيل إلى آخر.
تعاريف:
التربية لغة من الفعل ربى و يربي و بالتالي تربية و تعني إلصاق صفات و طبائع معينة بكائن معين وذلك تمهيدا لإدماجه في مجتمع بعينه.
أما اصطلاحا :
• علم "التربية" (pédagogy)ويعني توجيه المتربص (المتعلم) بأفضل طريقة نحو التحصيل المعرفي
• التربية يمكن تعريفها بأنها تطبيقًا "لعلم أصول التدريس"، والذي يعتبر تجمعًا للأبحاث النظرية والتطبيقية والمتعلقة بعمليتي التعليم والتعلم، والذي يتعامل مع عددًا من فروع المعرفة، مثل: علم النفس، والفلسفة، وعلوم الكمبيوتر، وعلوم اللغات، وعلم الاجتماع.
• التربية هي عملية صناعة الإنسان.
• تطلق التربية على كل عملية أو مجهود أو نشاط يؤثر في قوة الإنسان أو تكوينه.
• المفهوم الشامل للتربية يرى بأن التربية هي الوسيلة التي تساعد الإنسان على بقائه واستمراره ببقاء قيمه وعاداته ونظمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
• التربية في نظر البعض تأخذ منظورا دينيا ويعتبره البعض عملية هدفها هو الحصول على الإنسان السوي المعتدل كما أقرت بذلك كل الديانات السماوية.
عرف مصطلح تربية عدة تعريفات كل منها يستند إلى خلفية قائله أو كاتبه، وفي أدبيات الاختصاص عشرات التعاريف وربما يكون آخرها ما ورد في كتاب عوامل التربية للدكتور رشراش عبد الخالق وزميله 2001 م بأن التربية هي الرعاية الشاملة والمتكاملة لشخصية الإنسان من جوانبها الأربعة الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي بهدف إيجاد فرد متوازن يستطيع إصابة قوته واستمرار حياته والتكيف مع بيئتيه الطبيعية والاجتماعية.
هناك تعاريف كثيرة للتربية اختلفت باختلاف نظرة المربين و فلسفتهم في الحياة و معتقداتهم التي يدينون بها و قد و جد منذ القدم و إلى أيامنا هذه أنه من الصعب الاتفاق على نوع واحد من التربية تكون صالحة لجميع البشر و في جميع المجتمعات و تحت كل الأنظمة و في ظل كل المؤسسات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و رغم ذلك كان الحديث عن التربية و لا يزال يتناول كمعنى التطور و التقدم و الترقي و الزيادة و النمو و التنمية و التنشئة.
فأفلاطون كان يقول : "إن التربية هي أن تضفي على الجسم و النفس كل جمال و كمال ممكن لها"
أبو حامد الغزالي يرى "إن صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها و إن الغرض من التربية هي الفضيلة و التقرب إلى الله".
أما التربية في نظر الفيلسوف الألماني أمانويل كانط فهي : ترقية لجميع أوجه الكمال التي يمكن ترقيتها في الفرد.
أما جون ديوي كان يرى أن التربية هي الحياة و هي عملية تكيف بين الفرد و بيئته.
أما ساطع الحصري فيرى أن التربية هي تنشئة الفرد قوي البدن حسن الخلق صحيح التفكير محبا لوطنه معتزا بقوميته مدركا واجباته مزودا بالمعلومات التي يحتاج إليها في حياته.
و رغم اختلاف هذه التعارف إلا أنها جميعا تقتصر على الجنس البشري و تعتبر العملية التربوية فعلا يمارسه كائن حي في كائن حي آخر و غالبا ما يكون إنسانا راشدا في صغير أو جيلا بالغا في جيل الناشئ و إنها جميعا تقر بأن التربية عملية موجهة نحو هدف ينبغي بلوغه علما بأن ذلك الهدف يحدد له غاية تهم المجموعة التي تقوم بالإشراف على العملية التربوية.
أما أحدث التعارف المتداولة في معظم الكتابات عن التربية فهي : "عملية التكيف أو التفاعل بين الفرد و بيئته التي يعيش فيها و عملية التكيف أو التفاعل هذه تعني تكيف مع البيئة الاجتماعية و مظاهرها و هي عملية طويلة الأمد و لا نهاية لها إلا بانتهاء الحياة"
ضرورة التربية
التربية عملية ضرورية لكل من الفرد و المجتمع معا فضرورتها للإنسان الفرد تكون للمحافظة على جنسه و توجيه غرائزه و تنظيم عواطفه و تنمية ميوله بما يتناسب و ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه و التربية ضرورية لمواجهة الحياة و متطلباتها و تنظيم السلوكيات العامة في المجتمع من أجل العيش بين الجماعة عيشة ملائمة.
و تظهر ضرورة التربية للفرد بأن التراث الثقافي لا ينتقل من جيل إلى جيل بالوراثة و لكنها تكتسب نتيجة للعيش بين الجماعة و إن التربية ضرورية للطفل الصغير لكي يتعايش مع مجتمعه كما أن الحياة البشرية كثيرة التعقيد و التبدل و تحتاج إلى إضافة و تطوير و هذه العملية يقوم بها الكبار من أجل تكيف الصغار مع الحياة المحيطة و تمشيا مع متطلبات العصور على مر الأيام .
أما حاجة المجتمع للتربية فتظهر من خلال الاحتفاظ بالتراث الثقافي و نقله إلى الأجيال الناشئة بواسطة التربية و كذلك تعزيز التراث الباقي و ذلك من خلال تنقية التراث الثقافي من العيوب التي علقت به و التربية هنا قادرة على إصلاح هذا التراث من عيوبه القديمة و هذا الإصلاح مع المحافظة على الأصول.
أهداف التربية
الأهداف التربوية تدعو إلى الأفضل دوما و لهذا يمكن القول أن هناك مواصفات لا بد منها للأهداف التربوية كي تؤدي الغرض الذي وضعت من أجله لهذا فإنه من الواجب أن يكون الهدف التربوي :
1- عاما لكل الناس.
2- شاملا لجوانب الحياة.
3- مؤدا إلى التوازن و التوافق و عدم التعارض بين الجوانب المختلفة.
4- أن يكون مرنا مسايرا لاختلاف الظروف و الأحوال و العصور و الأقطار .
5- صالحا للبقاء و الاستمرار و مناسبا للكائن الإنساني موافقا لفطرته و غير متعارض مع الحق.
6- متوافقا غير متصادم مع المصالح المختلفة و أن يكون واضحا في الفهم و يفهمه المربي و الطالب.
7- أن يكون واقعيا ميسرا في التطبيق و أن يكون مؤثرا في سلوك المربي و الطالب.
إن الأهداف التربوية متعددة بتعدد الأمم و الشعوب كما إنها تتعدد بتعدد الفلاسفة و ما لديهم من أفكار بل هي متغيرة لدى العلماء أو الأمة الواحدة بتغير الزمان أو الظروف المحيطة بالأمة و تختلف الأهداف التربوية حسب الموقف لذلك فهي كثيرة العدد فالهدف من التربية في وقت السلم و في وقت الحرب مختلفان .
وظيفة التربية:
1) نقل الأنماط السلوكية للفرد من المجتمع.
2) نقل التراث الثقافي و تعديله في مكوناته بإضافة ما يفيد و حذف ما لا يفيد..
3) إكساب الفرد خبرات اجتماعية نابعة من قيم و معتقدات و نظم و عادات و تقاليد و سلوك الجماعة التي يعيش بينها.
4) تنوير الأفكار بالمعلومات الحديثة.
التربية عبر العصور:
كان الإنسان يحيا حياة بسيطة و كانت متطلبات حياته قليلة من هنا كانت متطلبات العيش في تلك المجتمعات لا يكتنفها التعقيد لذا اتسمت متطلبات التربية البدائية بالتقليد و المحاكاة و كان جوهرها التدريب الآلي و التدريجي و المرحلي أي أن لكل مرحلة من العمر نوعا خاصا من أنواع التربية و نظرا لأن المتطلبات الحياتية لم تكن معقدة و كثيرة فلم يكن هناك حاجة لمؤسسة معينة تقوم بنقل التراث و تدريب النشء لأنه لم يكن هناك تراث ثقافي كبير و لم يكن من الممكن الاحتفاظ بما لدى الأفراد في تلك المجتمعات و كان يقوم بالعملية التربوية أو التدريبية و عملية تكيف الأفراد مع البيئة الوالدان أو أحدهما أو العائلة أو أحد الأقارب أما أنواع التربية التي كانت سائدة في ذلك العصر فهي التربية العملية التي تقوم على تنمية قدرة الإنسان الجسمية اللازمة لسد حاجاته الأساسية مثل الطعام و الملبس و المأوى وبالإضافة إلى التربية النظرية التي تقوم على إقامة الحفلات و الطقوس الملائمة لعقيدة الجماعة المحلية و كان يقوم بها الكاهن أو ساحر القبيلة أو شيخها.
التربية في العصور القديمة:
مع ازدياد متطلبات الحياة اليومية و انتقال الجنس البشري من مرحلة الالتقاط و الصيد و الرعي إلى مرحلة أكثر استقرارا و هي المرحلة الزراعية و في هذه الفترة ظهرت التخصصات المختلفة و تعقدت الشؤون الحياتية و أصبح من الصعوبة بمكان أن يقوم الوالدان أو أحدهما أو العائلة بعملية التربية لانشغالهم في شؤونهم و كسب عيشهم و صار لا بد من وجود مؤسسة أو هيئة أو أفراد متخصصين يعتنون بالأجيال الصغيرة و ينقلون لها المعلومات و الخبرات و من هنا نشأت مهنة جديدة هي مهنة المربين أو أماكن العبادة أو تحت شجرة منعزلة و بعيدة عن جمهرة الناس و شيئا فشيئا نشأت المدارس النظامية و مع هذا التحول و التطور ظهرت الكتابة و بدأت تلك الشعوب و الحضارات تسجل نظمها و قوانينها و شرائعها و طريقة الحياة التي يرضونها و يرسمونها لمجتمعاتهم و من هنا وصلت إلينا بعض المعلومات عن تلك الحضارة القديمة و أساليبها التربوية و منها:
1- الحضارة الصينية: التي كان غايتها تعريف الفرد على صراط الواجب الحاوي جميع أعمال الحياة أو علاقة الأعمال بعضها ببعض و أعمال الحياة هذه هي مجموعة العادات و التقاليد و النظم و كانت وظيفة التربية الصينية هي المحافظة على تلك المعلومات و السير بموجبها و كان يتم عن طريق المحاكاة و التكرار و ظلت هكذا إلى أن جاء كونفوشيوس (551 - 478 ق.م) الذي أوجد مفهوما جديدا للتربية الصينية و هو البحث في مقتضيات الحياة و يعني ذلك البحث في الأنظمة و القوانين و الشرائع و الأخلاق و العادات و جميع شؤون الحياة.
2- التربية عند المصريين القدماء : أهتم المصريون القدماء اهتماما كبيرا في التربية و قد كانوا يرون أن المعرفة وسيلة لبلوغ الثروة و المجد و لذا أكثروا من المدارس و كانوا ينظرون إلى مهنة التدريس باحترام و تقدير و يصنفونها من مهن الطبقة الأولى في المجتمع المصري و كان النظام التربوي في مصر القديمة مقسم إلى مراحل تعليم أولية للأطفال في مدارس ملحقة بالمعابد أو مكان خاص للمعلم و كان لديهم مرحلة متقدمة و هي عبارة عن مدارس نظامية يقوم بالتعليم معلمون و أخصائيون غير أن التعليم المتقدم كان حكرا على أبناء الفراعنة و الطبقة الأولى و الخاصة.
3- التربية عند اليونان و الرومان: امتازت التربية اليونانية بروح التجديد و الابتكار و الحرية الفردية و تقبل التطور و التقدم و جعل اليونان غاية التربية عندهم أن يصل الإنسان إلى الحياة السعيدة الجميلة و يسجل التاريخ التربوي أن الإغريق هم أول من تناول التربية في زاوية فلسفية و كانت التربية محور اهتمام الفلاسفة في أثينا و قد كانت التربية اليونانية تربية علمية فنية مثالية.
أما التربية عند الرومان فكانت تشبه التربية عند اليونان إلى حد كبير فقد اقتبس الرومان أمورا كثيرة عن التربية اليونانية و لكن هناك فروقا جوهرية بين الثقافتين فقد كان فلاسفة اليونان يبحثون عن الغاية من الحياة و لكنهم لم يطبقوا ما توصلوا إليه بصورة عملية أما الرومان فقد اهتموا بالاستفادة من الابتكارات و النظر بالسواء كانت مقتبسة أو مبتكرة لتحسين أحوالهم المادية المحسوسة و بهذا كانت غاية التربية عند الرومان تربية عملية مادية نفعية و غاية التربية عند الرومان أيضا هي إنشاء الفرد المتمرس في الفنون العسكرية و المتدرب على شؤون الحياة.
4- التربية عند العرب : كانت العائلة هي أهم وسائط التربية عند العرب خاصة البدو منهم و قد تشارك العائلة في التربية و أهم ما يتعلمه البدوي الصيد و الرماية و إعداد آلات الحرب و دبغ الجلود و غزل الصوف و حياكة الملابس و تربية الماشية و كانت وسيلة التربية في تعليم ذلك هي المحاكاة و التقليد أو طريقة النصح و الإرشاد و الوعظ و التوجيه من كبار السن أو الوالدين أو الأقارب أو رؤساء العشائر و قد عرف البدو أنواع المدارس بالكتاتيب و كانوا يتعلمون بها القراءة و الكتابة و الحساب.
أما الحضر فكانت تربيتهم تهدف إلى تعلم الصناعات و المهن كالهندسة و الطب و النقش و التجارة بأنواعها و كانت لديهم المدارس و المعاهد إلا أن هدف التربية العربية الأسمى كان بث روح الفضيلة و غرس الصفات الخلقية كالشجاعة و الإخلاص و الوفاء و النجدة عند الحاجة و كرم الضيافة.
التربية في العصور الحديثة:
في أواخر القرن الخامس عشر بدأت القوميات تظهر في أوربا و أنشئت الدول المستقلة و في القرن التاسع عشر لم تعد التربية موضوعا لتأملات الفلاسفة و لا من تخصص رجال الدين بل أصبحت علما أسس عقلية عملية و بدأت تظهر في العالم الأبحاث و الدراسات التربوية المختلفة و المتنوعة و كان للفلاسفة الإنجليز في هذا العصر دور كبير في تطور الفكر التربوي حيث كانوا يميلون إلى النزعة التجريبية و طابعها العلمي الذي يعتمد على الملاحظة و التجربة الدقيقة و اعتنوا بالطرق الاستقرائية أما الفلاسفة الألمان فحاولوا أن يربطوا نظرياتهم بأفكارهم المتصلة بالطبيعة الإنسانية و اهتموا بالتربية القومية و أبعدوا التربية الدينية عن المدارس.
التربية المعاصرة:
لم تحتل التربية مكانا نافذا في أي عهد من العهود كما تحتله اليوم و إن الاهتمام بالتربية و العملية التربوية قد ازداد في العصر الحاضر و نتيجة لذلك تميزت التربية في العصر الحاضر عن غيرها بأنها متقدمة على التعليم و قد أصبح الطفل أو الإنسان الفرد هو محور التربية و اهتمت التربية بالإنسان لكي يحقق نموه الإنساني و لكنها لم تهمل الجانب الاجتماعي و التكيف مع الجماعة التي يعيش بينها كما تعاونت التربية مع علم النفس لتقديم ما يناسب كل فرد على حده و تعاونت مع علم الاجتماع لكي تطبع الإنسان بطباع المجتمع الذي يعيش فيه و قد أصبحت التربية الحديثة ميدانية حياتية تعتمد على المواقف و الممارسات اليومية و طرحت التطبيق العلمي لمواجهة الحياة المتغيرة كما تم الاهتمام بعالمية التربية و ذلك بالتوسع في الدف التربوي من التكيف مع المجتمع المحلي إلى التكيف مع المجتمعات عامة أو التكيف مع الثقافة الإنسانية و أصبح الهدف التربوي هو إعداد الإنسان الصالح لكل مكان و ليس المواطن الصالح لوطنه فقط كما أنه تم استعمال الأساليب الجديدة و ذلك باستعمال الأدوات و الأجهزة و المخترعات الحديثة في العملية التربوية و تسخير تلك الأدوات للتقدم و التطور الإنساني.
عـلـم التربية:
لم تتعرض أي ظاهرة من ظواهر المجتمع الإنساني إلى اضطراب مفهومها وتباين تعريفاتها واختلاف وجهات النظر فيها مثلما تعرضت له الظاهرة التربوية. فعند استعراض أدبيات الاختصاص نجد أن المؤلفين والباحثين قد ذهبوا لطرائق شتى في ذلك، وقد جرت العادة بينهم أن يقوم كل مؤلف لاحق باستعراض التعاريف السابقة ويخضعها للنقاش لإظهار أوجه القصور أو التمام، ثم يتبنى أحدها أو يضع تعريفا آخر يعتقد إنه الأفضل. أو قد يأتي مؤلف آخر قد يعلن منذ البداية عدم قناعته بالسابق كله فيضع تعريفا خاصا به ويقدمه كتعريف وافٍ فيه بلسم شافٍ وقد وفر على القارئ عناء التخبّط في متاهات المؤلفين والباحثين.
يرى البعض أن لا غرابة في ذلك، في ميدان العلوم السلوكية بعامةٍ، وفي ميدان التربية خاصة، إذ أن طبيعة الظاهرة التي تدرسها هذه العلوم تلقي بظلالها على التعاريف والمفاهيم والمناهج والنتائج. وسبب ذلك أن موضوعها هو الإنسان، والظواهر التربوية هي ظواهر إنسانية ذات أبعاد فردية اجتماعية تتكون إما ذاتيا وإما بتفاعل الذات مع مكونات المحيط البشري أو الحيواني أو الطبيعي، وبالتالي، يجد الباحث في هذه العلوم إن منهج بحثه ذات خصوصية متميزة، إذ أن ثبات صحة المعطيات ودقة النتائج أو القواعد أو القوانين التي يتوصل إليها، لا تنفي عنها سمة الاحتمال التي هي برأي البعض عامل ضعف، ولكنها عند البعض الآخر عامل قوة لأنه يبقيها في دائرة ”الصحة إلى أجل“ وهذا يساعدها على النمو والتطور.
إذن، يضاف إلى مشكلة اضطراب مفهوم التربية، مشكلة اضطراب منهجها، إذ كيف يدرس متغير ”الإنسان“ متغيراً ”الظاهرة التربوية“؟ ولكن، هذه مشكلة العلوم السلوكية بعامة، ومع ذلك، لم التقليل من علميتها ولم الوقوف حجر عثرة في طريق تطورها واستقلاليتها.
نظراً إلى أن التربية عملية تتكون من إجراءات وأنشطة فقط، ولكن هذه الإجراءات والأنشطة تحتاج إلى أساس نظري، مما جعل بعضهم يعدها الميدان التطبيقي للفلسفة، والفلسفة هي إطارها النظري بعلاقة قوية فانعكست اضطرابا على منهجها، وزاده تأرجحا بين الذاتية والموضوعية، وجعل البعض يتساءل عما إذا كان فعل التربية هو علم أم فن؟ وما إذا كانت نتائجها ترتقي إلى مستوى القواعد العامة أو القوانين...؟ الخ. مما زادها ضبابية وغموضا.
ومما لا شك فيه أن ميدان التربية يضم مجموعتين من الأنشطة هما :
1- مجموعة الأنشطة العملية والإجراءات التي تنفذ على مستوى الواقع بمهارة وتقنية.
2- مجموعة الأنشطة العلمية النظرية التي تتناول المبادئ والقواعد والقوانين والأسس والنظريات.
هذه النظرة الثنائية تفرق بين الذي يقوم بالأنشطة العملية فندعوه مربياً أو مدرساً أو معلماً... الخ، وبين الذي يقوم بالأنشطة العلمية النظرية فندعوه”عالم التربية“، ولا ضير إن كان ”عالم التربية“ قد مرّ بدور المربي في الحياة أو في مدرسة و وصل خبرته وبلورها بنظرية أو قانون أو قاعدة كما كان حال العلماء المسلمين الذين كانوا معلمين في معظمهم، وكما كانت حالة ”بستالوتزي“ و ”فروبل“ و ”مكارينكو“ وغيرهم، ولكن أولياء الأمور أو مربية الأطفال ، او المدرس او المعلم، ليس بالضرورة أن يكونوا علماء في التربية، بل عارفين بتطبيقات القواعد والأصول التي اكتسبوها عن طريق المطالعة أو التعلم المدرسي أو عن طريق الممارسة والخبرة.
فالتربية، كعملية إنسانية اجتماعية أوجدها المجتمع لتحقيق أغراضه، هي موضوع ”علم التربية “ وهذا العلم بدوره يهتم بالمبادئ والأسس والأصول والقواعد والقوانين والحقائق التي تنظم العملية التربوية وتوجهها وجهة مرغوبة من اجل تحقيق صالح الفرد والمجتمع وإحداث توازن بينهما.
يستخدم أكثر الباحثين في هذا الميدان مصطلح ”علوم التربية “ ، ومن حق القارئ إن يتساءل عن فائدة استبدال الجمع ”علوم “ بالمفرد ”علم “ وهو تساؤل محق.
لاستخدم مصطلح ”علم التربية “ بدل ”علوم التربية “ فوائد عملية أبرزها:
1- فك الاشتباك بين ميدان ”علم التربية “ وميادين ”العلوم السلوكية “ الأخرى مما يساعد الباحث في هذا العلم على تحديد أهدافه ومنهج بحثه، مع الإبقاء على العلاقات الأساسية الضرورية بينهما.
2- توضيح المصطلحات الخاصة بهذا العلم، وتحديدها في ضوء استخداماتها السابقة في الأبحاث والدراسات التربوية فينعكس ذلك دقة ووضوحاً.
3- تحديد دلالة بعض المصطلحات المستخدمة في عدد من العلوم السلوكية القريبة، وهي كثيرة، وإبراز الفرق- إن وجد – أو تبنيها كما هي، أو إعطائها دلالة جديدة تتفق مع خصوصية الظاهرة التربوية. وبذلك تتوحد لغة المتخصصين في علم التربية سواء في خطابهم التربوي أو في أبحاثهم ودراساتهم وخلال مؤتمراتهم وندواتهم.
ميدان هذا العلم”علم التربية “ واسع ومتعدد الجوانب، ومعقد، تتشابك فيه عوامل كثيرة لسببين اثنين:
أولاهما: أن موضوعه هو التربية، وموضوع التربية هو الإنسان، والإنسان من أرقى الظواهر الطبيعية، ومن أعقدها، إنه يخضع لتأثيرات عديدة ومتنوعة ، تمتد من التكوين البيولوجي وتنتهي بآخر المكتشفات.
ثانيهما: ميدان”علم التربية “ ملتقى أغلب المتخصصين في العلوم الأخرى، ابتداء من الفيلسوف مروراً بالبيولوجي ثم المؤرخ والاجتماعي والتكنولوجي والمتدين... الخ. إنه ميدان تلتقي فيه كل الدراسات التي تتناول الظاهرة التربوية بأبعادها المختلفة.
قد يكون مستهجنا عند البعض، الدعوة إلى علم مستقل للتربية، في الوقت الذي نجد اتجاها واضحا نحو ”الشمولية“ أي النظرة إلى الإنسان بكل أبعاده، وسبب استهجانهم هو ما وصلت إليه التخصصية من آفاق ضيقة وتفسيرات محدودة سيطرت على بعض الدراسات والأبحاث، وعلى الرغم من ذلك فلم يمنع”التخصصية“ ضمن”الشمولية“ في العلوم السلوكية، وقد يكون هذا الاتجاه المطلوب لخير الإنسان والحياة.
نخلص إلى القول، إنه إذا كانت شروط وجود أي علم من العلوم هو وجود ميدان محدد، وظاهرة يمكن ملاحظتها ووضع فرضيات تساعد على فهمها، وإمكانية التحقق من صحة بعضها والتوصل إلى قاعدة عامة أو قانون، مع إمكانية إعادة الدراسة أو التجربة والتوصل إلى النتائج ذاتها، وبصيغة أخرى، إذا كانت شروط وجود أي علم هو إمكانية تطبيق خطوات منهج البحث العلمي، فإن هذه الشروط متوفرة في ”علم التربية “.
التربية والتعليم :
من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة وأهمية أسبقية التربية على التعليم، والتأكيد على ضرورة انسجام التربية في الأسرة مع التربية في التعليم و في المدرسة، والتربية التي يقدمها المجتمع من خلال مؤسساته.
صلة التربية بالعلوم الإنسانية :
إن التربية تستفيد من النظريات المختلفة التي جاءت بها العلوم الإنسانية والفلسفية والاجتماعية التي تفسر مختلف الظواهر النفسية والاجتماعية والعلاقات السلوكية الإنسانية المتعددة. ومن المعارف الإنسانية التي لها علاقة مباشرة مع التربية نخص بالذكر ما يلي:
التربية والفلسفة : إن فلسفة التربية ما هي إلا تطبيق للفلسفة في مجال العمل التربوي وكانت التربية احد العلوم الداخلة تحت جناح الفلسفة.
التربية وعلم النفس : لقد أدى تطبيق الطرق العلمية لعلم النفس على التربية إلى تكوين الطرق التربوية ذاتها.
التربية وعلم الإنسان : التربية ما هي إلا العملية التي تؤمن للفرد القدرة والتلاؤم بين دوافعه الداخلية وظروفه الخارجية النابعة من بيئة ثقافية واجتماعية معينة.
التربية وعلم الاجتماع : إن جميع الأسس الاجتماعية هي أسس مهمة في العملية التربوية ذلك أن التربية لا توجد في فراغ، وإنما في مجتمع له أسسه وعلاقاته الاقتصادية والثقافية والسياسية والتربوية.
التربية وعلم الأحياء : إن التربية تبحث في معرفة قوانين الحياة العامة والنمو والتكيف وهي وثيقة الاتصال مع ما يدرسه علم الأحياء
صلة التربية بالتاريخ : إن وجود البعد التاريخي يساعد العملية التربوية على فهم ما ورثته من الماضي وما أعدته للحاضر وكيف تخطط للانطلاق إلى المستقبل، وأيضا يساعدها على فهم المشكلات التربوية المختلفة في ضوء معالجة المشكلات التي مرت على البشرية في مراحل تطورها.
أخطاء تربوية يجب تجنبها
مظاهر خاطئة كثيرة يمارسها الآباء في سياق الحياة اليومية وصور تتكرر ومشاهد تتعدد في منازلنا..القاسم المشترك بينها أنها تعرقل النمو النفسي والاجتماعي للطفل وتسبب مشكلات نفسية وسلوكية متعددة في حياته..
تؤكد الأخصائية النفسية عفاف الثبيتي أن الأسباب التربوية الخاطئة في تربية الطفل تسبب مشكلات نفسية واجتماعية لديه ، كمشكلات الانطواء و الخوف الاجتماعي والشعور بالنقص، والعدوان والتخريب.
إن الأساليب التربوية الخاطئة جناية على حقوق الطفل .. فالشعور بالمحبة والأمان والاستقرار حقوق طبيعية للطفل لا بد أن يحصل عليها في أجواء مستقرة تتسم بالاتزان والتوسط بعيدا عن الإفراط أو التفريط ..
ونستعرض بعض الأساليب التربوية الخاطئة التي ينتهجها بعض الآباء والمربين مع فلذات أكبادهم والتي عادة ما يكون لها انعكاسات سلبية قاتمة في حياة الطفل ….منها:
قتل روح الفضول في وجدان الطفل ..
ووأد رغبته في التعلم ..
و حرمانه من إشباع غريزة حب الاطلاع لديه، والرغبة في اكتشاف الجديد .. بنهره وزجره و توبيخه عند طرح الأسئلة والرغبة في المعرفة ..
أو السخرية منه والاستهزاء به ومعايرته بسماته السلبية وجوانب النقص في مظهره وقدراته ..فالله عز وجل يقول
” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ”
فلا بد من استخدام الكلمة الطيبة مع الابن فالله عز وجل يقول
:” وقولوا للناس حسنا”
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم
” اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فإن لم تجد فبكلمة طيبة “…
تجاهل السلوك الجيد للطفل ،
فمن المؤسف أن بعض الآباء والأمهات يتفننون في محو السلوكيات الإيجابية لدى الطفل عبر تجاهل سلوكياته الحميدة أو زجرهم ونهرهم لدى القيام بالسلوك الحسن..
مثال : ابنة ترغب أن تسعد والدتها فتقوم بترتيب غرفتها..وهي تتوقع أن تجد التعزيز والثناء .. لكنها تحظى بالنهر والعقاب من والدتها كأن تقول لها : ” ألم أقل لك نظفي الصحون بدلا من ترتيب غرفتك؟؟”..
عدم إيقاف السلوك الخاطئ الصادر من الطفل،
الأمر الذي يؤدي إلى تمادي و التكرار لهذا الفعل السيئ من قبل نفس الطفل.
أشهر عالم التربية :
لورا بوش ولدت 4 نوفمبر 1946 هي زوجة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وسيدة الولايات المتحدة الأولى سابقا. ولدت في ميدلاند بولاية تكساس وحصلت على درجة بكالوريوس في علم التربية في جامعة ساثرن ميثوديست سنة 1968 ثم درّست في مدارس رسمية في دالاس وهيوستن. وحصلت سنة 1973 على درجة ماجستير في علم المكتبات من جامعة تكساس بمدينة أوستن، وعملت كأمينة لمكتبة المدرسة الرسمية في أوستن. تزوجت من جورج بوش في عام 1977 ولهما ابنتان توأم هما باربرا وجينا بوش ولها دراسات عديدة حول علم التربية كان أشهرها تلك الدراسة التي تحصلت بها على جائزة العلوم المطورة من جامعة كاليفورنيا.
الخاتمــــة:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة أن يدركني".
إذا قلت التربية ورادفتها بكلمة الجزائر, فكل ما سيأتي بعدها شر في شر, إلا ما رحم ربي, حكايات عشتها شخصيا ويعيشها الجزائريون كل يوم أريد أن أسردها عليكم, مخافة أن تقعوا فيها, لأنه من كثرة ما نراها كل يوم يتهيأ إلينا أنها شيء عادي.
مشاكل:
هي عندما يقوم طفل العاشرة بسب أبيه وأمه وسب الله ولا أحد يبالي.
عندما يتعاط شاب الخامسة عشرة المخدرات ويسرق المال من أمه من أجل أن يبتاعها, وأبوه وعمه يعلم لكن لا أحد يبالي.
عندما تستبدل إحدى الموظفات بمن هو أجدر وأحق منها بالوظيفة , فتدعي أنه تحرش بها جنسيا فتعطي المال لأحد الصحفيين من أجل الإساءة لسمعة هذا الموظف, فيقبل الصحفي المال وينشر المقال وتمسح بكرامة الموظف الأرض والكل من حولهما يعلم لكن لا أحد يتكلم ولا أحد يبالي.
عندما يقبل الأستاذ الجامعي دجاجة محمرة من أحد الطلبة كرشوة من أجل أن يعطيه نقطة في امتحان لم يحضره أصلا, وكل الطلبة يعلمون لكن لا أحد يبالي.
وغيرها كثير فلو كان البحر الأبيض المتوسط الذي يحد الجزائر شاملا مداد لخاتمتي هذه لنفد قبل أن تنفد الحكايات التي تتحدث عن غياب التربية في المجتمع الجزائري.
لكن يبقى الهدف الرئيسي من هذا اليوم هو ليس فقد التحدث عن التربية لكن إيجاد حلول ملموسة لعلاج هذه الآفة التي ما فتئت تنخر شباب البلد وشبانها, وفيما سيأتي سأحاول أن أطرح بعض الحلول:
حلول:
كان يعيش في بلدتي رجل يدعى الحاج بلحاج رحمه الله, الجميع يستهزئ به لكني أرى أنه رجل حكيم, كان قد يئس من الجزائريين و دائما ما يردد أن الحل الوحيد للمشاكل التي تبدر من الجزائريين هو أن يصنع الله سبحانه وتعالى قطعة من الرخام على شكل خريطة الجزائر, ويسمكها بضع كيلومترات, ثم يهوي بها من السماء على الجزائر وبذلك يندثر كل الجزائريين, ويأتي بعد ذلك جيل جديد, حكام جدد, وإدارات جديدة, لا يعرفون عن الفساد وعدم التربية شيئا, فيولدون على الفطرة ويكونون أحسن من الموجودين حاليا. تقولون لي أن هذا الحل مستحيل, أقول لكم أن الله إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.
سأحاول أن أكون أكثر واقعية وأقل تشاؤما فمثل هذه الحلول لا تأتي إلا من عند الفرنسيين الشعب الأكثر تشاؤما في العالم, وأقترح ما أردده دائما, وهو أن الحل في دكتاتور في الحكم, ما عنده من الرحمة والشفقة شيء, وبذلك يتأدب الجميع و اللي يغلط يخلص.
أجل أعلم أنه حل مبالغ فيه أيضا وصعب أن يحدث في دولة يتقاسم الجنرالات فيها مداخل البترول بالنصف مع الدولة مثلما أورده موقع ويكيليكس, لذلك وبعد تفكير مطول أرى أن الحل الأنسب والأمثل هو الإتحاد, اتحاد كل المثقفين والعقلاء من البلد والغيورين عليها. فتخيلوا معي(حتى ولو كانت صعبة) أن الأطباء كلهم متحدون والمحامون كذلك, والطلبة والمدونون والمثقفون والهدف واحد وهو مصلحة البلاد, حتى يحس عديم التربية أنه وحده ومنبوذ ويعيش وحده وبذلك سيحاول أن يلتحق بالركب, ولن يبقى لمثل هؤلاء مكان بيننا.
خاتمتي هذه هي مجرد رأي من آرائي أنا مــزوار محمد سعيد, والحلم واحد وهو أن تصير الجزائر بلد العظماء والعلم والعلماء من بين مصاف الدول في العالم فو الله نملك من الثروات البشرية ما يمكننا من اعتلاء مرتبة مشرفة بين الدول العربية والعالمية وما يفعله الجزائريون في الخارج إلا دليل على ذلك.
المصادر و المراجع:
1. مصطفى القمش، قضايا وتوجهات حديثة في التربية الخاصة، الطبعة رقم 1 ، 05/12/2010،دار الحكمة للطباعة والنشر صفحة: 34
2. تيسير مفلح كوافحة، مقدمة في التربية الخاصة، الطبعة رقم 2، 03/11/2007 دار الكنوز الوردية للطباعة والنشر صفحة 102_105.
3. مجموعة من المؤلفين مدخل إلى التربية، الطبعة رقم 11،02/03/2005، دار المسيرة للطباعة والنشر صفحة 19_21.
4. لمياء أحمد عثمان التربية الجمالية لأطفال ما قبل المدرسة، الطبعة رقم 1،01/03/2009، دار المعرفة الجامعية صفحة: 06.
5. هدى الناشف الأسرة وتربية الطفل، الطبعة رقم 1، 02/03/2011، دار الاختلاف للطباعة والنشر، الصفحة: 14، 15.
6. مجموعة مؤلفين مدخل إلى مناهج البحث في التربية وعلم النفس، الطبعة رقم 2، 02/04/2001، دار المسيرة للطباعة والنشر صفحة: 12، 13.
ملاحظة:
كل ما هو مكتوب في هذه الخاتمة هي عبارة عن
أفكاري الخاصة بي وحدي، و أنـا بهذا مسؤول عن كل حرف فيها،
أنـا مـــــزوار مـحمد سعيد مصدر هذه الأفكار و طابعها.